ساجد جاويد ابن السائق الباكستاني

ساجد جاويد ابن السائق الباكستاني الذي أصبح وزيرا لداخلية بريطانيا

نمط الحياة

سُرعان ما تهب الحياة فُرصًا قويةً لشُخوصٍ لم يكن بالإمكان من المُقدَّر لهم أن تُوهَب لهم من الأساس، ولكن ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطاني الجديد مثَّل جانبًا كبيرًا من هذا الصدد. قُدوم ساجد ظهر بصُورةٍ تُصادِم كل المُسلَّمات والحقائق التي انطبعت في بريطانيا عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي وتسلّم بنو اليمين من أبنائها مقاليد حُكم البلاد في فترةٍ عصيبة على المهاجرين والمُسلِمين.

ولكن قصة ساجد تُعطِينا شكلًا مُركَّبًا، الجُزء الأول منه يُظهِر كيف استطاع ابن سائق الحافلة الباكستاني الفقير أن يرسم مضمارًا له يتفرد به، والجزء الآخر  يُبيِّن لنا كيف أذعن حزب المحافظين البريطاني للاستعانة بهؤلاء الذين قدموا لمحاربتهم من المهاجرين والمسلمين والذين انخرطوا واندمجوا في المجتمع البريطاني بحكم كونهم من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الأوائل، لمعاونتهم على معضلاتٍ ليسوا باستطاعتهم حلحلتها كأزمة جيل ويندراش الأخيرة، ووضح أن السياسة ما تلبث أن تفارق نفسها عن الأيديولوچيا، فما هي قصة ساجد جاويد؟.

ما الذي يربط ساجد جاويد (أول وزير داخلية بريطاني من أصول مسلمة)، بصادق خان (أول عمدة مسلم لمدينة لندن)، وسعيدة وارثي (أول مسلمة تشارك في الحكومة البريطانية)؟.

كلهم أبناء مهاجرين باكستانيين من فترة ما بعد الحرب قدموا إلى المملكة المتحدة في ستينيات القرن الماضي، بحثًا عن حياة أفضل. وآباؤهم الثلاثة جميعًا كانوا سائقي حافلات. ساق جاويد وخان ووارثي، طاقم أبناء سائقي الحافلات، حياتهم في مضامير صعبة وسريعة للوصول إلى هذه المناصب السياسية المرموقة.

تُعتبر قصة جاويد، هي قصة صعود من الفقر إلى الثراء ثم إلى السلطة السياسية. استقر والده عبد الغني في روتشيلد ولم يكن يمتلك سوى القليل من المال، وعمل في مغازل القطن ثم في قيادة الحافلات ــ ولُقِّب برجل الليل والنهار، لأنه اعتاد العمل في كل ساعة منحها له الخالق”. وانتقلت الأسرة في النهاية إلى بريستول، وعاش جاويد على غرار بطلته مارجت تاتشر (فقد كشف ذات مرة عن أنه كان لديه ملصق لصورتها على حائط مكتبه) في شقة فوق متجر. وبرغم أن مستشار المسيرة المهنية في مدرسته أخبره بأن “أطفال شارع ستابليتون لا يذهبون إلى الجامعة”، ذهب جاويد لدراسة الاقتصاد والسياسة في جامعة إكستر. وكان أول فرد يتخرج من الجامعة في عائلته. في سن ال 25 أصبح جاويد أصغر نائب رئيس في بنك تشيس مانهاتن. وقاده سعيه الدؤوب للنجاح إلى قيام دويتشه بنك – البنك الألماني- بتوظيفه، حيث حصل على 3 ملايين يورو بصفته مديرًا للائتمان التجاري.

حياته السياسية ساجد جاويد ابن السائق الباكستاني

دخل جاويد الحياة السياسية عندما صار نائبًا لمقاطعة برومجسروف (وسترشير) في عام 2010 ــ وهي خطوة أدت إلى انخفاض دخله بمقدار 98%. جمعت علاقة وطيدة بين جاويد وجورج أوزبورن وعمل تحت إدارته، إذ كان حينها مستشارًا لوزير الخزانة سنة 2012. وتولى أول منصب وزاري له سنة 2014 كوزير للثقافة والإعلام والرياضة. وشغل منصب وزير الدولة للتجارة والريادة والمهارة ووزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحكم المحلي.

والآن يشغل جاويد واحدًا من أعلى المناصب، بعد استقالة آمبر رود من منصب وزيرة الداخلية. جاء رحيلها، ظاهريًا بسبب تضليلها عن غير قصد لنواب البرلمان حول أهداف ترحيل مهاجرين غير شرعيين. لكن سقوطها جاء بعد أسابيع من الضغوط بشأن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع جيل ويندراش، الذين جاءوا على متن السفينة Empire Windrush ويعانون الآن من الانتقاص من حقوقهم لأنهم لا يستطيعون رسميًا إثبات حقهم في البقاء.

يبدو أن الهوية لا تحظى بأهمية كبيرة لدى جاويد (فحين سُئل عن هويته اعتاد الإجابة قائلًا “لا أفكر في الأمر كثيرًا)، ولكن يبدو أن هذا الأمر تغير مؤخرًا. فقد صبغت أصوله المهاجرة استجابته لأزمة ويندراش. وحين سُئل عن رأيه في ذلك الموقف قبل انضمامه إلى وزارة الداخلية أجاب قائلًا: “أنا مهاجر من الجيل الثاني، قدم والدي إلى هذه البلاد من باكستان، تمامًا مثلما فعل جيل ويندراش، بالتأكيد من جزء مختلف من العالم، من جنوب آسيا وليس الكاريبي، أما عدا ذلك فالتشابه قائم في جميع الأوجه تقريبًا”.

عُرف جاويد وتيريزا ماي باختلافهما. فقد انتقد بقوة حملة رئيسة الوزراء الانتخابية المشؤومة في عام 2017. على الرغم من أن الأمر لو سار بشكل مختلف، وأُعيِد انتخاب ماي بفارق كبير، كان من الممكن أن يُنهي هذا صعود جاويد السياسي ويدفعه إلى أتون النسيان في المقاعد الخلفية لمجلس العموم البريطاني. لا شك في أنه ذو طموح عال. في أعقاب استقالة ديفيد كاميرون بعد البريكسيت -انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي-، قام بالتعاون مع ستيفن كراب في محاولة قيادة مشتركة (هو كمستشار، وكراب كرئيس للوزراء). إلا أن تلك الشراكة لم تحقق نجاحًا كبيرًا، ومع ذلك فقد تعززت آمال جاويد في القيادة بعد هذه الترقية الأخيرة. يوصف الآن بأنه المنافس المحتمل على رئاسة الوزراء، هذه المرة منفردًا.

تأمل ماي وحزب المحافظون، أن تحد خلفية جاويد الشخصية من الضرر الذي أحدثته فضيحة ويندراش. جزء من هذه الآمال معلقة على قدرة وزير الداخلية الجديد على المحافظة على أصوات الأقلية العرقية، وهو طلب صعب بالنظر إلى أن دعم المحافظين بين أوساط الناخبين غير البيض قد انخفض في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك جزئيًا على الأقل إلى موقف الحزب بشأن الهجرة. لكن في حين قد يستخدم الحزب جاويد كنموذج دعائي “للمحافظ العرقي”، إلا أن أهميته تفوق ذلك. في الوقت الذي تصاعدت فيه موجة الشعبوية اليمينية في غرب ووسط أوروبا مستغلةً المشاعر المعادية للمهاجرين، فإن نجاح جاويد هو مثال متكامل على نجاح “حلم المهاجر”.

موقفه من الهجرة ساجد جاويد ابن السائق الباكستاني

في حين انتقد جاويد مصطلح “البيئة العدائية” الذي يُستخدَم عند الحديث عن الهجرة غير الشرعية من قِبل المحافظين، فإنه يؤيد تشديد الضوابط على الهجرة. وقال مدافعًا عن موقفه: “ليس هناك ما هو عنصري في عمليات الهجرة المنظمة”. ستنطوي اختصاصات جاويد الجديدة باعتباره وزيرًا للداخلية على مسألة الهجرة (تتصدر فضيحة ويندراش رأس القائمة)، وقد صرح بأن “أكثر المهام الموضوعة أمامي إلحاحًا هي مساعدة أولئك المواطنين البريطانيين الذين قدموا من منطقة الكاريبي، الذين يطلق عليهم جيل ويندراش. والحرص على أن ينالوا المعاملة الكريمة والعادلة التي يستحقونها”. يأمل المحافظون أن تحمل هذه العبارات المزيد من المصداقية أكثر مما كان عليه الحال مع رود.

كما ستقع على عاتقه مهمة التعامل مع ضبط النظام (في وقت لا يكاد يمر فيه يوم دون ظهور جرائم العنف التي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء في عناوين الأخبار) والأمن ومواجهة الإرهاب، فقد أردف قائلًا: “يتصدر قائمة أولوياتي الحرص على قيام وزارة الداخلية بكل ما بوسعها للحفاظ على أمن المواطنين البريطانيين. وهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي، وأخذها بجدية كاملة”. يشغل جاويد، ابن سائق الحافلة المهاجر المسلم، أكثر المناصب المرغوبة في السياسة البريطانية. لكنه بدأ في لحظة صعبة من تاريخ الوزارة. لنرى كيف سيقوم فتى شارع ستابليتون بمهمته في المقاعد الأمامية.

مرجع: الجزیره شبکه